السياسةالعمل والمستجدات

فى الحياة قصة ،ولكن أين أصحاب القصة ؟ ، قراءة مع نسيم الفجر . عبد الرحمن بشير

فى الحياة قصة ،ولكن أين أصحاب القصة ؟ ، قراءة مع نسيم الفجر . عبد الرحمن بشير
………………………. …………………………………………………………
الحياة قصة ، والقصة حياة ، ومن لا يملك قصة حياة فإنه لا يملك حياة ، نحن لا نعيش لأجل أن نعيش ، ولكننا نعيش لأجل أن نصنع مستقبلا مغايرا عن واقعنا الحالي .

الحياة قصة ، والقصة حياة ، لدينا من يعيش قصة واحدة ، لأنه لا يملك فى الحياة إلا تجربة واحدة ، فهو يكرر تلك التجربة ، ولكن بعناوين مختلفة ، وقد يظهر من منابر مختلفة ، ولكنه لا يملك إلا قصة واحدة ، وتجربة واحدة .

فى سورة يوسف عليه السلام قصة حياة عجيبة ، ولكنها ليست تجربة واحدة ، بل فيها عشرات التجارب ، ومرارات الحياة المختلفة ، ولكن الرجل كان هو الفائز فى كل تجربة ، وهو البطل بلا منافس فى كل مرارة ، والغريب أن يوسف عليه السلام بدأ رحلته من التميز ، وانتهى بالتميز ، ولم يكن يوما ما شيئا زائدا فى الحياة .

فى قصة موسى عليه السلام ، وفى سورة القصص قصةعحيبة وجميلة ورائعة ، ولكنها تبدأ فى القتل والتهجير ، وتنتهى فى سقوط الطاغية ، ولكن بين هذا وذاك مراحل من الهجرة ، والهروب من الوطن ، والعيش فى خارج البلد مهاجرا ولاجئا ، ويمرّ بمراحل دقيقة ما بين الخوف والأمل ، وأخيرا يعود إلى الوطن ، وقد اختارته السماء لحمل الرسالة ، ومواجهة الطغيان ، والتمرد على النظام الفاسد .

فى قصة عمر بن عبد العزيز رحمه الله حياة غريبة تبدأ فى التمتع بها ، وتنتهي فى الاستغناء عنها ، وما بينهما أسفار مختلفة ، إنها خيار من رجل يحمل العلم فى قلبه ، والتدين فى ضميره ، والصحوة فى عقله ، ولهذا فهو بحق من الخلفاء الراشدين ، والحكام العادلين ، وعاش زمنا قصيرا ، ولكنه ترك من وراءه بصمة غير قابلة للمحو .

فى الحياة قصة ، وفى كل قصة حياة ، ولكن ليست كل قصة مؤثرة ، بل هناك ألف قصة وقصة ، ولكنها تموت قبل أن تروى ، وتنتهي قبل أن تسجّل ، لأن صاحبها لا يحمل فى قلبه علما ، ولا فى ضميره ورعا ، ولا فى عقله صحوة ، انه يعيش لأجل العيش ، وسيبقى رقما ، ويذهب إلى قبره غير مأسوف عليه .

فى حياة كل واحد منا قصة ، ولكن لكل قصة بداية ونهاية ، ومنا من يعرف قصة حياته ، فيقوم بتسجيلها ، ويعرف أن قصته مهمة ، وهناك من يلعب دورا محوريا فى الحياة ، ولكنه لا يعرف قصة حياتها وأهميتها ، فلا يقوم بتسجيلها ، إنه بلا تاريخ ، لأن حياته عنده ليست مهمة ، ولهذا فهو يخاف من تسجيل موقف فضلا عن كتابة قصة .

فى الحياة تجربة ، وفى التجربة عبرة ، وفى العبرة حركة ودروس ، هناك من يعيش بلا تاريخ ، لأنه لا يبدأ من حيث انتهى الآخرون ، وإنما يبدأ من حيث بدأ الآخرون ، فهو الماضى والحاضر والمستقبل ، وهو الثابت الذى لا يتغير ، وهو الساكن الذى لا يتجدد ، وهو كما هو بلا تغيير ، ولا تجديد ، فيسجل التاريخ كما سجل أجداده ، وهو بلا إضافة ، إنه بلا قصة .

فى الحياة من يعيش فى الماضى ، فيفتخر ما صنعه السابقون ، ويكرر كلامهم بلا إضافة ، ويمدح صنيعهم بلا جديد ، ويتحدث عن مآثرهم بلا نقد ، والسبب إنه بلا قصة ، ومن لا قصة له ، لا حياة له ، ومن لا حياة له فهو يعيش على حياة الناس ، أي على تجاربهم .

فى الحياة قصة ، ولكل واحد منا قصته ، وليس من الصواب أن يكون كل واحد منا كما يراد له ، فالقصة تبدأ من الوعي ، والوعي يبدأ من الإدراك ، والإدراك يبدأ من الفهم ، والفهم إرادة ، والإرادة تصنع القرار ، فالقصة التى يتم صناعتها فى الحياة تحتاج إلى القرار ، ولا قصة تُسجّل فى الحياة بدون قرار ، وأخذ القرار فى الحياة بداية ، والبداية حين تكون مشحونة بالقوة والحماس ، حينها فقط نصنع القرار ، ولكن هل يعرف الإنسان فى أوطاننا أن الحياة قصة ؟

هناك قصة لا تنتهى ، وهي قصة إرادة الحياة ، وهناك قصة أخرى تبقى فى الذاكرة طويلا ، وهي قصة إرادة البقاء فى هامش الحياة ، لدينا من لا يريد أن يكتب القصة ، لأن الناس جميعا ضده ، وهناك من يتسلق على أكتاف الناس بلا خجل ليصنع قصة حياته ، وهناك من لا قصة له ، ولكنه يحاول أن يصنع القصة من العدم ، بل من الكذب ، فالقصة لا تختلق ، وإنما تخلق ، ولا تُسرق من مجهودات الناس ، وإنما تستفاد وتستغل من الإمكانيات الموجودة لديك ، ومن تجارب الناس ، فلا يكون الإنسان بلا وعي حتى الموت .

فى صناعة القصة درس ، وفى كل درس تجربة مريرة ، فلا صناعة للقصة بدون تجارب مريرة ، فالحياة ليست ميدانا للكسالي الفكريين ، بل هي مجال للقلة المبدعة ، أما الكثرة اللاهية ، فهم يصنعون قصتهم على قدر حياتهم ، والسلام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock